من ملامح الإعجاز الغيبى فى السنة النبوية المطهرة
النبى – صلى الله عليه وسلم – يخبر
منذ ألف وأربعمائة عام بتداعى الأمم على أمته
1- أخرج الإمام أحمد فى مسنده (برقم 21891) عَنْ ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "يُوشِكُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ الْأُمَمُ مِنْ كُلِّ أُفُقٍ كَمَا تَدَاعَى الْأَكَلَةُ عَلَى قَصْعَتِهَا" قَالَ : قُلْنَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَمِنْ قِلَّةٍ بِنَا يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ : "أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ وَلَكِنْ تَكُونُونَ غُثَاءً كَغُثَاءِ السَّيْلِ يَنْتَزِعُ الْمَهَابَةَ مِنْ قُلُوبِ عَدُوِّكُمْ وَيَجْعَلُ فِي قُلُوبِكُمْ الْوَهْنَ" قَالَ : قُلْنَا : وَمَا الْوَهْنُ؟ قَالَ : "حُبُّ الْحَيَاةِ وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ".
2- وهو عند أبى داود (4297) بلفظ مقارب قال : "يُوشِكُ الْأُمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ كَمَا تَدَاعَى الْأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا" فَقَالَ قَائِلٌ : وَمِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ : "بَلْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ وَلَيَنْزَعَنَّ اللَّهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمْ الْمَهَابَةَ مِنْكُمْ وَلَيَقْذِفَنَّ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ الْوَهْنَ" فَقَالَ قَائِلٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الْوَهْنُ؟ قَالَ : "حُبُّ الدُّنْيَا وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ".
بين يدى الحديث
أولاً : إسناد الحديث:
الحديث من الناحية الإسنادية حديث حسن بمجموع طرقه ، والحديث الحسن من الناحية الاصطلاحية هو الحديث الذى رواه العدل الذى خف ضبطه بلا شذوذ أو علة. فهو مقبول إسنادياً ، وإن كان دون الحديث الصحيح من حيث قوة الضبط. وقد صحح هذا الحديث شيخنا الألبانى رحمه الله فى السلسلة الصحيحة برقم (958).
ثانياً: فقه الحديث:
أولاً: هذا الحديث من أعلام نبوة المصطفى – صلى الله عليه وسلم – حيث أنه يخبرنا فيه بأمور غيبية كثيرة جداً ، ويشير إلى كثير من الأمور والأحداث التى ستقع بعد وفاة النبى الكريم عليه صلوات ربى وسلامه ، وفى مجالات ونواحى مختلفة : سياسياً واجتماعياً وديموغرافياً (علم دراسة السكان) بل ونفسياً أيضاً.
ثانياً: النبى صلى الله عليه وسلم وهو من آتاه الله سبحانه وتعالى الفصاحة والبيان وآتاه جوامع الكلم يخبرنا بكل هذا بأوجز العبارات وأدقها وأشملها وأنسبها. حيث تجد أن النبى الكريم صلى الله عليه وسلم يختزل الأحداث التى ستقع على مدار مساحة زمنية ومكانية كبيرة جداً ،يختزل هذا فى أقل عدد ممكن من الكلمات ، ولو احتجنا إلى سرد كل هذه الأحداث لاحتجنا إلى موسوعات تاريخية كاملة.
ثالثاً: النبى صلى الله عليه وسلم لا يكتفى بذكر المرض بل يضع أيدينا بمنتهى الحكمة على العلاج الناجع الذى لا علاج غيره.
رابعاً: إن الناظر لأحداث التاريخ قديما والمتأمل لها حديثاً يجد تطابقاً كاملاً بين ما أخبر به النبى صلى الله عليه وسلم وبين الواقع المعاش.
خامساً: النبى صلى الله عليه وسلم يضرب لنا مثلاً بليغاً فإذا أردنا التعبير عما يحدث بمثال فلن نجد أبلغ ولا أفصح من هذا المثال ولو حشدنا له الجن والإنس. والمتأمل لهذا المثال يكتشف الكثير مما هو موجود من الواقع وقد يخفى على الكثيرين إدراكه.
وقبل أن أستطرد فى شرح مفردات الحديث وعباراته واستخراج مواطن الإعجاز فيه أعرض أولاً لأحد الشروح التى قد شرحت هذا الحديث. والذى تيسر لى من هذا هو شرح عون المعبود فى شرح سنن أبى داود ، أعرضه هنا مختصراً:
قال : [ ( يوشك الأمم ) : أي يقرب فرق الكفر وأمم الضلالة ( أن تداعى عليكم ) ... أي تتداعى بأن يدعو بعضهم بعضا لمقاتلتكم وكسر شوكتكم وسلب ما ملكتموه من الديار والأموال ( كما تداعى الأكلة ) .... وهو جمع آكل ..... الفئة والجماعة أو نحو ذلك .... والمعنى كما يدعو أكلة الطعام بعضهم بعضا ( إلى قصعتها ) ... أي التي يتناولون منها بلا مانع ولا منازع فيأكلونها عفوا وصفوا كذلك يأخذون ما في أيديكم بلا تعب ينالهم أو ضرر يلحقهم أو بأس يمنعهم ... قال في المجمع أي : يقرب أن فرق الكفر وأمم الضلالة أن تداعى عليكم أي يدعو بعضهم بعضا إلى الاجتماع لقتالكم وكسر شوكتكم ليغلبوا على ما ملكتموها من الديار , كما أن الفئة الآكلة يتداعى بعضهم بعضا إلى قصعتهم التي يتناولونها من غير مانع فيأكلونها صفوا من غير تعب ... ( ومن قلة ) : خبر مبتدأ محذوف وقوله ( نحن يومئذ ) : مبتدأ وخبر صفه لها أي أن ذلك التداعي لأجل قلة نحن عليها يومئذ ( كثير ) : أي عددا وقليل مددا ( ولكنكم غثاء كغثاء السيل ) ... ما يحمله السيل من زبد ووسخ شبههم به لقلة شجاعتهم ودناءة قدرهم ( ولينزعن ) : أي ليخرجن ( المهابة ) : أي الخوف والرعب ( وليقذفن ) : ... أي وليرمين الله ( الوهن ) : أي الضعف , وكأنه أراد بالوهن ما يوجبه ولذلك فسره بحب الدنيا وكراهة الموت ... ( وما الوهن ) : أي ما يوجبه وما سببه ... سؤال عن نوع الوهن أو كأنه أراد من أي وجه يكون ذلك الوهن ( قال حب الدنيا وكراهية الموت ) : ومما متلازمان فكأنهما شيء واحد يدعوهم إلى إعطاء الدنية في الدين من العدو المبين , ونسأل الله العافية ] انتهى.
والآن نعرض – تفصيلياً – لدلالة مفردات وعبارات الحديث لنضع أيدينا –لاحقاً- على مكمن الإعجاز الغيبى فى هذا الحديث.
1- فقوله صلى الله عليه وسلم [يوشك] تفيد قرب وقوع الأمر ،وأنه قد بدأ الإعداد له فعلاً ولكنه لم يتم بعد ، ولم يتخذ صورته الكاملة. وقد بدأ تداعى الأمم على أمة الإسلام منذ عهد النبى صلى الله عليه وسلم عندما جمعت قريش العرب لحرب النبى صلى الله عليه وسلم فى غزوة الأحزاب ، وما كان يقوم به المنافقون داخل دولة المدينة من فتن وتحريض ، وكذلك تجهيز الروم والفارس لغزو دولة الإسلام فى عهد النبى.
2- [ تداعى ] أى الاجتماع عليكم بأن تدعو كل أمة من الأمم الأخرى أختها لهلاك أمة الإسلام واستئصال شأفتها. والتعبير بالتداعى فيه من البلاغة والإخبار الغيبى الشئ الكثير ، إذ ان الذى يتبادر فى الذهن فى مثل هذه الحالات هو حب استئثار المغتصِب بالمغتصَب. هذه هى طبائع البشر ، أما الذى يخبرنا به النبى صلى الله عليه وسلم هو على نقيض ما درج عليه الناس ، هو يخبرنا بأن الأمم سوف يدعو كل منها الأخرى. وهو نفسه ما حدث قديماً وما زال يحدث.
3- [ عليكم ] تخصيص يعبر أن هذا الحدث خاص بأمة الإسلام. وهذا مشاهد حقاً فى حياتنا فإذا وضعنا إصبعنا الآن على أى موضع على خريطة العالم الإسلامى لتفجر من تحت إصبعنا الدم فى كل مكان وكل بلد. ويكفينا تأكيداً على كلامنا من أن دولتين إسلاميتين (العراق – فلسطين) الوحيدتان المحتلتان فى العالم ولا توجد دولة فى العالم محتلة غيرهما. هذا بخلاف ما يحاك فى السر من تحرش بدول إسلامية أخرى فى المنطقة العربية. وكأن حركة الاحتلال الحديث أصبحت مخصصة للعالم الإسلامى فقط.
4- [ الأمم ] لفظ يطلق ويحتمل أكثر من معنى ،فالمعنى الأعم يقصد به اليهود والنصارى وأصحاب الملل الأخرى ، والمعنى الثانى يقصد به الدول بالمفهوم السياسى الذى نعرفه الآن والتى تحدها حدود مستقلة وتميزها عن جاراتها وكلا المعنيين متحقق.
5- [ كما تداعى الأكلة إلى قصعتها ] تشبيه بليغ شبه فيه تكالب وتصارع وتسابق الأمم على قتال أمة الإسلام والقضاء عليها واستئصال شأفتها بأناس جياع يدعو كل منهم الآخر إلى طعام شهى ليقضى منه مأربه. ولو أردنا أن نبحث عن تشبيه أبلغ من هذا ليعبر عن الواقع المعاش بيننا الآن لما وجدنا.
6- [ بل أنتم يومئذ كثير ] هذا إخبار بمغيب فنحن لم نجد أياً من مؤسسين الدول الذين أسسوا ممالك وأمبراطوريات ودولاً لا نجد أحداً منهم يستطيع أن يخبر عن وضع سكان بلده بعد فترة من الزمان : هل سيزيدون أم ينقصون أم ينقرضون؟ وهذه المسألة تتعلق بعلم يسمى علم الديموغرافيا أى علم دراسة السكان. والإشارة الغيبية فيه واضحة جداً فعدد المسلمين فى جزيرة العرب علىعهد النبى صلى الله عليه وسلم لم يكن بالكثرة التى يمكن أن يقال أنها ستضارع كثرة الفرس والروم مثلاً. وإذا نظرنا إلى عدد المسلمين الآن البالغ 1300مليون مسلم لعرفنا مغزى كلمة [ كثير ] التى أخبر بها المصطفى صلى الله عليه وسلم.
يتبع ... ولاشك أن هذا يختلف تمام الاختلاف عن الدراسات والإحصائيات التى تقوم بها الدول من آن لآخر لتتعرف على عدد سكانها ثم تقول أنه من المتوقع أن يبلغ عدد السكان كذا بعد عشر سنوات وكذا بعد عشرين سنة وهكذا. الاختلاف بين الحالتين كبير (لماذا؟) لأن النبى صلى الله عليه وسلم يخبر عن شئ غير منبنى على مقدمات تؤدى إليه ، أما حالة إحصائيات الدول تلك فتنبنى على مقدمات معروفة وواضحة. كذلك فإن ما تخبر به إحصائيات تلك الدول هو من قبيل الظن ، الذى قد يصدق وقد لا يصدق ، حيث قد يأتى من الأحداث من يضرب بكل هذه الإحصائيات عرض الحائط مثل الحروب والزلازل والبراكين والتى تبتلع معها مدن بأكملها كما حدث فى إيطاليا فيما عرف ببركان فيزوف.
ولكن النبى صلى الله عليه وسلم يخبرنا أن أمته ستبقى وستستمر وأنها ستتزايد وفى اطراد مستمر علاوة على وصف حال تلك الكثرة.
1- [ ولكنكم غثاء كغثاء السيل ] الغثاء هو : "كل ما يحمله السيل من الزبد والوسخ" وهذا تشبيه بليغ شبه فيه الأمة حال وهنها بالغثاء الذى يعلو ماء المطر ولكنه لا يسقى زرعاً ولا يسمن ضرعاً.
وقد لا تجد تشبيهاً آخر يحل محله ليقوم بنفس معناه. وهو مستوحى من البيئة العربية.
2- [ وَلَيَنْزَعَنَّ ] والنزع هو الإخراج بشدة ، وهذا دليل على خلو المحل من الشئ المنزوع منه. وهذا مشاهد فىحياتنا ومن سلوك أعداء أمتنا الذين استهانوا بنا ولم يعودوا يلقوا بالاً لنا ذلك أننا اكتفينا بالصراخ والبكاء على الآلام.
3- [ وَلَيَقْذِفَنَّ ] والقذف عكس النزع وهو الرمى بشدة.
4- [ الْوَهْنَ ] يفسره البعض بالضعف ولكن النبى صلى الله عليه وسلم يعرف أن للوهن هنا معنى آخر فيقول : (حُبُّ الدُّنْيَا وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ) والذى يتأمل هذه العبارة يعلم أن الوهن هو الوسيلة التى تؤدى بنا إلى الضعف الشديد. فحب الدنيا هو أساس كل ضعف. فالذى يحب المال يضعف أمامه والذى يحب النساء يضعف أمامهن.
5- [ حُبُّ الدُّنْيَا ] هذا هو الداء.
6- [ وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ ] وهذا هو الدواء.
وفى مثل هذا يقول النبى الكريم صلى الله عليه وسلم فى الحديث الذى أخرجه ابن ماجة (4105) عن زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ قال : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : "مَنْ كَانَتْ الدُّنْيَا هَمَّهُ فَرَّقَ اللَّهُ عَلَيْهِ أَمْرَهُ وَجَعَلَ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ وَلَمْ يَأْتِهِ مِنْ الدُّنْيَا إِلَّا مَا كُتِبَ لَهُ وَمَنْ كَانَتْ الْآخِرَةُ نِيَّتَهُ جَمَعَ اللَّهُ لَهُ أَمْرَهُ وَجَعَلَ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ".
تنزيل الحديث على التاريخ والواقع:
وإذا تأملنا وقائع التاريخ نجدها تشهد بصدق ما أخبر به المعصوم من ألف وأربعمائة عام.
وهذه بعض مشاهد التداعى على هذه الأمة أضعها بين أيديكم على سبيل المثال لا الحصر تشهد بما لا يدع مجالاً لشك بأنه خبر من عند من لا ينطق عن الهوى.
1- فما إن توفى النبى صلى الله عليه وسلم حتى خرج منافقو هذه الأمة يقاتلونها فى حرب الردة والمرتدين.
2- ثم ها هى الحملات الصليبية على الشام ومصر ، تأتى تحت راية الصليب ولكن جُمع لها من عدة دول أوربية – لا دولة واحدة - وهى : المجر وفرنسا وألمانيا والنمسا وغيرها. وقد استمرت هذه الحملات على مدار مائتي عام كاملين (1096 - 1291).
3- وما حدث فى الأندلس نظير هذا فبعدما سادها الإسلام طيلة ثمانية قرون ،تكاتفت عليها دول أوربا كذلك وأخرجت منه الإسلام بعد صراع مرير بين الأمتين.
4- وشبيه بذلك ما حدث فى الفلبين وجزر الملايو وجنوب شرق آسيا ، حيث تحولت دولاً إسلامية كاملة إلى النصرانية (كالفلبين مثلاً).
وما حدث فى الدولة العثمانية الإسلامية شبيه ذلك ، فالذى يتأمل تاريخ تلك الدولة يجد أموراً تدعو إلى الدهشة والعجب ، نجد أنها قد دخلت فى صراعات كثيرة مع دول أوربا (بعضها مجتمعةً فى غالب الأحوال) واستطاعت أن تمد هذه الدولة نفوذها وسيطرتها على مساحات كبيرة تكفى لأن نصف تلك الدولة بأنها إمبراطورية مترامية الأطراف. هذا فى حال القوة.
5- أما فى حال الضعف فإن الأمر كان جد مختلفاً. فقد وقّعت الدولة العثمانية عدة معاهدات مع دول أوربية وكانت النتيجة المعروفة والحتمية لكل اتفاقية من تلك الاتفاقيات هى أن تتنازل الدولة العثمانية عن أجزاء من أراضيها وممتلكاتها لدولة أو أخرى. وكانت صورة التداعى واضحة فى كل تلك المشاهد.
6- وفى العصر الحديث نجد أن الاستعمار الأوربى قد قطع أوصال الأمة الإسلامية شراذم لا تحصى ، وقد اتخذ صورة التداعى كذلك فها هى فرنسا تقتطع لنفسها الشام وبلاد المغرب العربى.
7- وهذه بريطانيا تحتل مصر والسودان واليمن وإمارات الخليج العربى ، وهذه إيطاليا تحتل ليبيا ، وهذه مجرد أمثلة لا أكثر.
8- وفى مطلع القرن الماضى كان المغرب العربى مسرحاً لحالة من حالات التداعى حيث وقعت كل من فرنسا وإسبانيا عام 1901 اتفاقية تقضى بانفرادفرنسا وإسبانيا بالمغرب. ثم وقعت اتفاقاً مع بريطانيا عام 1904 عرف بالاتفاق الودى لتأكيد ما جاء فى سابقه إضافة إلى تأكيده حرية إطلاق يد بريطانيا فى مصر. وقد أقرت الدول الثلاث هذا الاتفاق.
9- ولكن لم يكن الأمر قاصراً على تلك الدول الثلاث فحسب. فالشريك الألمانى واقف يترقب ، وكان العشاء جاهزاً ليستوعب أكثر من هذا بكثير فعقد مؤتمر سمى بمؤتمر الجزيرة الخضراء عام 1906 نتيجة تدخل ألمانيا فى أزمة المغرب و(دعى) لحضوره (12دولة) : فرنسا ،ألمانيا، النمسا/المجر، بلجيكا، الدانمارك، إسبانيا، إنجلترا، إيطاليا، هولندا، البرتغال، السويد، الولاياتالمتحدة الأمريكية، ومااذ كانت نتيجةذلك المؤتمر؟
10- نتيجته أن تفقد دولة إسلامية سيادته الحقيقية. والتدخل الأوربى الكامل فى شؤون المغرب. علاوة على تداعيات أخرى.
11- وحديثاً نجد الأمر يتكرر بحرفيته ، ففى قضية فلسطين وهى القضية الإسلامية الأولى والتقليدية ، نجد صورة التداعى واضحة جداً بين أمة اليهود ممثلة فى عصابات الصهاينة وبين أمة النصارى ممثلة فى بريطانيا ويتفقان على تكوين وطن قومى لليهود فى فلسطين ، وهذا طبعاً على جثة جزء من أجزاء الأمة الإسلامية.
12- وعندما تنشب حرب 1948م نجد التحالف الصهيونى الصليبى واضحاً جداً
حيث كانت بريطانيا تمد عصابات الصهاينة بكل ما يلزمها من معدات وسلاح. وحتى فى حرب 1956م نجد التداعى الصهيونى الصليبى يتكرر بتداعى ثلاث دول هى بريطانيا وفرنسا وإسرائيل للهجوم على مدن قناة السويس فى مصر.
13- وعندما غابت شمس الإمبراطورية التى لا تغيب عنها الشمس نجد التداعى موجود كذلك بين اليهود وحماة الصليب الجدد – أمريكا – فإن كانت بريطانيا قد نجحت فى إنجاب إسرائيل وزرعه فى جسد أمة الإسلام فإن أمريكا هى التى ربتها وجعلت منها شرطى المنطقة.
14- والصورة على الساحة السياسية الآن أكثر وضوحاً وتنظيماً وظهوراً عن ذى قبل ، كيف هذا؟ نجد أن أمريكا عندما تريد أن تغزو دولة إسلامية كما حدث فى أفغانستان ، أو كما يحدث الآن فى العراق نجد أن الولايات المتحدة تتخذ أسلوب الحشد الدولى – يعنى التداعى بمفهومنا نحن هنا – وتسمى هذا بالشرعية الدولية ، وقوات حفظ السلام الدولية أو ما شابه تلك المسميات ، ولا يخرج كل هذا عن مبدأ التداعى الذى أشار إليه الحديث الشريف.
15- وإذا نظرنا إلى مثال شاخص بين أعيننا الآن وهو ما يحدث فى العراق. سنجد المشهد كما أخبرنا به نبينا – صلى الله عليه وسلم منذ ألف وأربعمائة عام – حيث يتداعى أنصار الصليب ممثلين فى أمريكا وبريطانيا والقوات الدولية التابعة للأمم المتحدة (مسؤول التداعى الأول على أمة الإسلام فى العالم) نجدهم يتداعون مع أبناء نجمة صهيون ن فنجد أمريكا تستأثر بشمال العراق بينما تستحوذ بريطانيا على جنوبه فى الوقت الذى تعيث فيه المخابرات الصهوينة (الموساد) الفساد داخل أرض العراق لتمكن لحلفائها هناك.
16- المشهد برمته يتكرر بتفاصيل لا تختلف كثيراً فى السودان وأحداث دارفور المفتعلة ، وسعى أمريكا الدؤوب على نزول قوات (التداعى) الدولية التابعة للأمم المتحدة فى دارفور ،رغم أنها قضية داخلية لدولة حرة ذات سيادة. ولكن مشهد التداعى ملازم لنا فى كل حين.
17- وقريباً منها فى منطقة القرن الإفريقى وتحديداً فى الصومال ، فلا يزال حلم التداعى الأمريكى الصليبى موجود على الساحة وبعد أن خرجت القوات الأمريكية من الصومال بفضيحة كبيرة ، إذا بها تتعرف على كلمة السر لتدخل الصومال دخولاً آمناً ، ألا وهو (التداعى) مرة أخرى ، وكيف هذا؟
18- أن ترسل بقوات أثيوبية لتخوض حرباً على أرض الصومال نيابة عن أمريكا ، قد يقول البعض ولكن هذا لمساندة الحكومة الصومالية ، ولكن الحق أنه ليس كذلك بل للقضاء على جبهة المحاكم الإسلامية التى أعادت إلى الصومال الإسلام والعروبة مصحوباً بالسلم والأمن الذى لم تذق طعمه منذ عشرات السنين.
19- ولا يزال مسلسل التداعى مستمراً.